بقلمي

الأستاذ «ناوي شر»

الذكريات بين الطالب والمعلم كثيرة، منها ماهو مفرح وسعيد، ومنها ما هو مؤلم وحزين، هناك من دوّنها في مذكراته معبرًا عن انتصاره، وهناك من احتفظ بها في نفسه.

أحمد جمجموم، من الطلاب الذين كتبوا معاناتهم في كتاب بعنوان (أحمد صلاح جمجوم يتذكر)، ويقول: “كنت الأول على الخريجين من مدرسة الفلاح بجدة عام ١٣٥٩هـ ثم التحقت بمعهد تحضير البعثات في مكة المكرمة؛ رغبة في مواصلة التعليم العالي، ثم واصلت تفوقي كما في الفلاح وكنت الأول على فصلي، ويضيف: “أكثر الأساتذة في ذلك الوقت كانوا مصريين، أحدهم اسمه الأستاذ أحمد الحوت كان يحبني جدًا ولذا كنت متفوقًا في مادته، و(بالعكس) كانت علاقتي مع أستاذ الجغرافيا والتاريخ الأستاذ (…) -يرحمه الله-، الذي فاجأني مرة وأنا جالس في الفصل فقال: أنت ما تستحي؟! طالعت خلفي ظنًا مني أنه يتحدث إلى غيري، ولكني فوجئت بأنه يقصدني، فسألته ليه؟ قال: أنت بتقول لزميلك الأستاذ بيقرأ من الكتاب؟. وهذا بالطبع لم يحدث مني، ولكن عبثًا حاولت إقناعه ببراءتي”.

ويتحدث أحمد صلاح جمجوم ضمن معاناته، وهو على مقاعد الدراسة، ويقول: “كنت أدرس مع اثنين من أبناء مدير المعارف السيد محمد الدباغ، وهما (الدكاترة فيما بعد) محمد وهاشم، فأبديت لهما مخاوفي من أن هذا الأستاذ «ناوي شر»، ويخطط أنه يسقطني في مواده رغم أنني كنت الأول في جميع العلوم والرياضيات. وما توقعته حصل، فقد أعطاني في مادة ٢٠ من ٥٠، ثم اتضح أنه خلط بين ورقة إجاباتي وورقة إجابة زميلي الذي حصل على العلامة الكاملة ٥٠ من ٥٠ “.

ويضيف جمجوم كنت في السنة النهائية في المعهد، والتي كانوا يسمونها بكالوريا: ذهبت إلى والدي وقلت له إنني لا أستطيع أن أواصل دراستي مع هذا الرجل، وإذا كانت هذه المرة مرت بسلام ، فما كل مرة تسلم الجرّة، وما دام الرجل حاقدًا عليّ بهذا الشكل فلن أستطيع أن أتعلم منه، ولن أخذ حقوقي معه، ورسوبي في المواد التي يدرّسها يكفي لتعطيل مسيرتي الدراسية، وقد رجوت والدي أن يرسلني إلى مصر لأدرس الثانوية مرة أخرى على حسابنا الخاص ولا ننتظر حتى التخرج من معهد تحضير البعثات، فوافق رحمه الله وأرسلني لأدرس على حسابه”.

نماذج معاناة الطلاب مثل أحمد صلاح جمجوم كثيرة، ولكن ليس كل الآباء والأُسر هم (تجار) يستطيعون إرسال أبنائهم للخارج، فهناك من أُحبط، وترك الدراسة، وقليل من تغلب على ظروفه.

ورغم الفارق الزمني بين عام ١٣٥٩هـ حتى عام ١٤٤١هـ إلا أن بعض الأساتذة المعقدين لا زالوا موجودين رغم مرور السنين، ومذكرات جمجوم هذه ذكرتني بمعاناة طالب في مرحلة البكالوريوس تخصص (إعلام)، يُغار من تفوقه بعض الدكاترة في القسم، وبدلًا من أن يدعموه اصبحوا يقفون حجر عثرة في طريق إبداعه وتميزه، ورغم أنه يعتبر واجهة نموذجية للقسم إلا أن عدم تقبُل بعض الدكاترة لتفوقه سامحهم الله لسبب أو لآخر ، جعلهم يضعون حجرات عثرة أمام تفوقه، حتى وهو على أعتاب باب التخرج يحاولون ثنيه عن التطبيق العملي في المكان النموذجي الذي اختاره، ويريدون منه التطبيق في منشأة لا ترقى لطموحه، ولكن إصرار الطالب وإيمان المسؤولين في الجامعة بفكره وقدراته شجعه على اختيار المكان المناسب للتطبيق، ورغم ظهوره الملفت في القناة الفضائية إلا أن محاولة الإحباط ظلت تطارده.

وهذه الحالة لا تتوقف عند مرحلة البكالوريوس بل تجاوزته إلى مستوى أعلى من ذلك.

يقول أحد الطلاب : “توقعت وأنا أدرس في مستوى الدراسات العليا أن تكون العملية التعليمية الأكاديمية راقية بكل تفاصيلها، ولكن تفاجأت بأن أحد الدكاترة طلب منا أن نكتب بحثًا كاملًا بخط اليد في ظل تقنيات العالم الرقمي، (!!) حقيقةً تفاجأت، ولكن سلمنا البحث وكان مختومًا بختم الإحباط).

هذه الأساليب في التعليم أيًا كان مستوى الطالب في البكالوريوس أو في الدراسات العليا تُعيد العملية التعليمية برمتها إلى قصة جمجوم، والأستاذ«ناوي شر» .

عبدالله الزهراني

رئيس تحرير صحيفة مكة الإلكترونية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى